بعد سنوات متطاولة من الانفراد بالشعب السوري من قبل قوى دولية وإقليمية ، تقتله بكل أنواع الأسلحة ، وترتكب بحقه كل جرائم الحرب ، بدأً بما يجري في المعتقلات والسجون من انتهاكات ، وانتهاء بالمدن والبلدات المحاصرة ، التي تحولت هي الأخرى إلى معتقلات وسجون مفتوحة ، تمارس فيها على الهواء مباشرة كل الجرائم ضد الإنسانية ، وتخترق فيها كل حقوق الإنسان ، وينضم إلى القصف والقتل والاستهداف للمستشفيات والنقاط الطبية ، الحصار والتجويع والحرمان من الغذاء والدواء ؛ اتخذ مجلس الأمن مساء السبت 24 / 2 / 2018 قراره 2401 ، الذي ولد ولادة قيصرية عسيرة بعد سلسلة من الفيتوات الروسية التي ظلت خلال سنوات تعمل على محورين :
الأول : التغطية على الجريمة الدولية المتواطَئ عليها ضد الشعب السوري . وإعطاء ما يسمى بالمجتمع الدولي ( العذر المحل ) إزاء صمته على أفظع حرب إبادة طائفية يشهدها العالم في تاريخه الحديث .
ثم حماية القاتل المجرم ، وتمكينه ، للتستر خلفه في سعي الروس الجاد إلى احتلال سورية : استراتيجيا ، وسياسيا ، وثقافيا واقتصاديا ..
وبعد عياط ومياط ، ووسط مشادات وضغوطات دولية صاخبة ، وتحت ضغط المنظمات والمؤسسات الدولية ، مستندة إلى عشرات الصور للأطفال والمدنيين المردومين التي تهز قلوبا من حجر ؛ تم بالأمس اتخاذ القرار الأممي المذكور .
ولكن القرار الذي كثر النزاع حوله وعليه لم يتخذ إلا بعد أن أفرغه الروس من محتواه ، فولد ميتا لا قيمة ولا انعكاس إيجابي على أي صعيد . فالقرار الذي ينص على وقف النار ، وكشف الكربة عن المحاصرين ، مع الاحتفاظ بحق إطلاق النار على الإرهابيين وحصارهم وتجويعهم ، لا يعني الشعب السوريين ولا الأرض السورية !! فالإرهابيون حسب منطوق الإرهابي الأول في العالم بشار الأسد هم كل سورية قال له يوما اعتدل .
وربما لا يكون هذا الاختراق الروسي أسوأ ما في القرار ، لأن بشار الأسد وعصابته المارقة ، والذين يجب أن نظل نرفض تسميته ، بالنظام السوري ، لم يلتزم في أي لحظة بأي قرار أو قانون دولي ، كما لم يلتزم بأي لحظة بقيمة إنسانية أو شيمة أخلاقية.
لقد كان الأسوأ في القرار المفرغ من أي محتوى سياسي إيجابي ، أنه أعفى المجرم بوتين من الفيتو الثاني عشر على طريق إبادة السوريين . وتدمير بلادهم
هل تعتقدون : أن الروس قد خدعوا الأمريكان ولفيفهم في لعبة الدبلوماسية ؟! وأن الأمريكان حين قبلوا التعديلات الروسية ، كانوا لا يدركون مراميها وأبعادها ؟! وما سيبنى عليها ؟! هل تعتقدون أن الأمريكان ولفيفهم كانوا أغبياء إلى هذا الحد ، وأن الدب الروسي قد تفوق بالذكاء السياسي عليهم ؟!
أو تعتقدون : أن الأمريكيين كانوا شركاء ومتواطئين في حرب الإبادة على السوريين..
وأن كل الذي جرى في مجلس الأمن لم يكن أكثر من ضجيج ، يشبه ضجيج أصحاب القلوب الجريحة تضمهم وقفة احتجاجية أمام السفارات الروسية ، الصماء ..؟أ
ما بعد قرار مجلس الأمن على الأرض السورية ظل كما قبله ، فهل سيظل الذين طالما التحفوا عذر غياب قرار كما هو من قبل ، بلادة ولامبالاة وتواطؤ شرير مريب ..
والأبلغ من ذلك هل سيظل موقف القوى والهيئات السياسية التي تصدت لتمثيل الشعب السوري وثورته بعد القرار كما هو قبله ؟
لندن : 9 / جمادى الآخرة / 1439
25 / 2 / 2018
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
zuhair@asharqalarabi.org.uk